[[b]center] الصـــــــــداقة:
الصــــــداقة سلوك تعبر به النفس عن حاجتها على نظير و هي مشاركة خالصة بين اثنين أو أكثر, على مستوى عال من التفاهم و الإيثار...و هي لهذا ليست اتفاقا تجاريا بين اثنين, بل هب ميثاق بين قلبين, حياتين, و إنسانيتين رفيعتين.و كما تبذل جهودا كبرى لكي تظفر بإجازة علمية كبرى, عليك أن تبذل جهودا مماثلة لكي تظفر بصـــــداقة صادقة.
إن جهلنا حقيقة الصــــــداقة يحرمنا من مباهجها,فنحن نحسبها مزاحا ماجنا,أو انفعالا متبادلا,أو وصولية زائفة...نحسب الصـــداقة كذلك و أسوأ من ذلك,و نقيم علاقاتنا الناشئة عن هذا الفهم المغلوط على شفاهاوية...حتى إذا زلت الأقدام, و هوت من تحتها الأرض الرخوة صرخنا قائلين:يا أسفا على الصداقة.؟و يا ضيعة الأصدقاء.؟و لو فكرنا قليلا لعلمنا إن الذي كنا فيه لم يكن صــداقة,و إنما كان ضربا من التسلية الفارغة و النفعية المرذولة,و اللقاء التلقائي.أما الصـــداقة الحقيقية فهي أبقى على الزمن من الزمن نفسه.
فإذا شئت ان تكون صــديقا و تنعم بالأصدقاء فأدرك حقيقة الصـــداقة جيدا,و هيئ نفسك لحمل تبعاتها النبيلة,و صغ نفسك على الغرار الذي تتطلبه الصداقة...و يومئذ لن تندب ندرة الصحاب,لأنك ستجدهم أوفياء مؤثرين.
زود نفسك بفضائل الصـــداقة,و عبئها بالحب و الخير,و نم فيها نزعة الإيثار حتى تتسع و تتراحب لإيلاف الناس أجمعين...كن صــديقا لمن تعرف و لمن لاتعرف...
و افرح لكل فوز شريف يناله الإنسان حتى إن كنت لا تعرفه, و تهلل لكل خير ينزل بساحة إنسان حتى إن كنت تجهله’و أسهم في حل مشكلات الذين يدفعهم إليك الأمل فيك, حتى لو لم تربطهم بك رابطة ذاتية...
تألم في نبل للأسى الإنساني حيث يكون,و اجعل من نفسك تأوي إليه الزوارق التائهة التي زلزل الإعصار و الموج ثباتها.و ليكن اسمك مجرد اسمك كنداء النجدة,لا يكاد المفزعون يسمعونه حتى تسكن ضلوعهم الواجفة,و تعود إليهم طمأنينتهم.
و لا تحسبني بهذا مبالغا في رسم صورة الصــديق, فالصـــداقة استعداد, و الإنسان الذي لا تكون نفسه مهيأة للخير العام, عامرة به, هيهات أن تواتيه القدرة على أن يكون صــديقا و لو مرة واحدة.فالصـــديق إنسان لا يعرف قلبه الحقد, و لا يعرف ضميره عدم الاكتراث و لا يضن على الناس كافة من رحمة و حنان و نجدة...
الصـــديق كالشمس,ترسل دفئها و ضياءها لكل ما هنالك من حياة,و أحياء,و أشياء...تفيض بغير حساب,و تعطي في غير من,و ينال خيرها من تفصلهم عنها مسافات و أبعاد و عوالم.
و كما أن الشمس لا تستطيع أن تقصر دفئها و ضوءها على قوم,و تحرم الآخرين ...و كما أنها لا تفرق بين أحد ممن تعطي...و كما أن العطاء الحميم الشامل هو طبيعتها و شميمتها...فكذلك الصــداقة تماما,لا تقف بها علاقاتها الخاصة عن الانطلاق باذرة خيرها,ناشرة عبيرها.
إن كثير من الذين دأبوا في ظلمة الليل و وقده النهار على كشف دواء يشفي المرضى,أو اختراع ييسر للناس وطأة العيش,و يذلل لهم طرائق الحياة,إنما كانوا مدفوعين برياح الصــــداقة الحميمة للبشر جميعا....و لقد عبر أحدهم عن هذا حين قال مخاطبا زوجته
دعيني أعمل من أجل أصدقائي الذين لا أعرفهم).
المرجع:من كتاب المختار في الأدب و القراءة.
شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا